الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ولاية طغج بن جف على دمشق. ولما ولي هرون بعد أخيه جيش على ما ولي عليه من اختلاف إلى القواد وقوة أيديهم خشي أهل الدولة من افتراق الكلمة ففوضوا أمرها إلى أبي جعفر بن إيام كان مقدما عند أحمد وخمارويه فأصلح ما استطاع وبقي يرتق الفتق ويجبر الصدع ثم نظر إلى الجند الذين كانوا خالفوا بدمشق مع طغج بن جف فبعث إليهم بدرا الحمامي والحسين بن أحمد المارداني فأصلحا مورد الشام وأفرد الطغج بن جف بولاية دمشق واستعملا في سائر الأعمال ورجعا إلى مصر والأمور مضطربة والقواد طوائف لا ينقاد منهم أحد إلى أحد إلى أن وقع ما نذكر..زحف القرامطة إلى دمشق. قد تقدم لنا ابتداء أمر القرامطة وما كان منهم بالعراق والشام وأن ذكرويه بن مهداويه داعية القرامطة لما هزم بسواد الكوفة وأفنى أصحابه القتل لحق ببني القليص بن كلب بن وبرة في السماوة فبايعوه ولقبوه الشيخ وسموه يحيى وكنوه أبا القاسم وزعم أنه محمد بن عبد الله بن المكتوم بن إسمعيل الإمام فلقبوه المدثر وزعم أنه المشار إليه في القرآن ولقب غلاما من أهله المطوق وسار من حمص إلى حماة ومعرة النعمان إلى بعلبك ثم إلى سلمية فقتل جميع من فيها حتى النساء والصبيان والبهائم ونهب سائر القرى من كل النواحي وعجز طغج بن جف وسائر جيشه وصاحبه هرون عن دفاعهم وتوجه أهل الشام ومصر إلى المكتفي مستغيثين فسار إلى أهل الشام سنة تسعين ومائتين ومر بالموصل وقدم بين يديه أبا الأغر من بني حمدان في عشرة آلاف رجل ونزل قريبا من حلب وكبسه القرمطي صاحب الشامة فقتل منهم جماعة ونجا أبو الأغر إلى حلب في فل من أصحابه وحاصره القرمطي ثم أفرج عنه وانتهى المكتفي إلى الرقة وبعث محمد بن سليمان الكاتب في العساكر ومعه الحسين من بني حمدان وبنو شيبان فناهضه في المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين على حماة وانهزم القرامطة وأخذ صاحب الشامة أسيرا فبعث به إلى الرقة وبين يديه المدثر والمطوق وتقدم المكتفي إلى بغداد ولحقه محمد ابن سليمان بهم فأمر المكتفي بضربهم وقطعهم وضرب أعناقهم وحسم دائهم حتى ظهر منهم من ظهر بالبحرين..استيلاء المكتفي على الشام ومصر وقتل هرون وشيبان ابني خمارويه وانقراض دولة بني طولون. ونبدأ أولا بخبر محمد بن سليمان المتولي بتحويل دولة بني طولون كان أصله من ديار مضر من الرقة اصطنعه أحمد بن طولون وخدمه في مصر ثم تنكر له وعامله في جاهه وأقاربه بما أحفظه وخشي على نفسه فلحق ببغداد ولقي بها مبرة وتكرمة واستخدمه الخلفاء وجعلوه كاتبا للجيش فما زال يغريهم بملك مصر إلى أن ولي هرون بن خمارويه وفشلت دولة بني طولون بالشام وعاث القرامطة في نواحيه وعجز هرون عن مدافعتهم ووصل صريخ أهل الشام إلى المكتفي فقام لدفع ضررهم عن المسلمين ودفع محمد بن سليمان لذلك وهو يومئذ من أعظم قواده فسار بالعساكر في مقدمته ثم أمره المكتفي باتباع القرامطة وأقام بالرقة فسار حتى لقيهم وقاتلهم حتى هزمهم واستلحمهم ودفع عن الشام ضررهم ورجع بالقرمطي صاحب الشامة وأصحابه أسرى إلى المكتفي بالرقة فرجع إلى بغداد وقتلهم هنالك وشفى نفسه ونفس المسلمين منهم وكان محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي عند وصوله إلى بغداد فأمره بالعود وبعث معه جماعة من القواد وأمده بالأموال وبعث دميانة غلام مازيار في الأسطول وأمره بالمسير إلى سواحل مصر ودخول نهر النيل والقطع عن أهل مصر ففعل وضيق عليهم وسار محمد بن سليمان والعساكر واستولى على الشام وما وراءه فلما قارب مصر كاتب القواد يستميلهم فجاء إليه بدر الحمامي وكان رئيسهم فكسر ذلك من شوكتهم وتتابع إليه القواد يستميلهم فجاء إليه بدر الحمامي وكان رئيسهم فكسر ذلك من شوكتهم وتتابع إليه القواد مستأمنين فبرز هرون لقتالهم فيمن معه من العساكر وأقام قبالتهم واضطرب عسكره في بعض الأيام من فتنة وقعت بينهم واقتتلوا فركب هرون ليسكنهم فأصابته حربة من بعض المغاربة كان فيه حتفه فقام عمه شيبان بن أحمد بن طولون بعده بالأمر وبذل الأموال للجند من غير حسبان ولا تقدير ثم أباح نهب ما بقي منه يصطنعهم بذلك فنهبوه في ساعة واحدة وتشوف إلى جمع المال فعجز عنه واضطرب وفسد تدبيره وتسايل إلى محمد بن سليمان جنده وفاوض أعيان دولته في أمره فاتفقوا على الاستئمان إلى محمد بن سليمان فبعث إليه مستأمنا فسار إليه ثم تبعه قواده وأصحابه فركب محمد إلى مصر واستولى عليها وقيد بني طولون وحبسهم وكانوا سبعة عشر رجلا وكتب بالفتح فأمره المكتفي بإشخاص بني طولون جميعا من مصر والشام إلى بغداد فبعث بهم ثم أمر بإحراق القطائع التي بناها أحمد بن طولون على شرقي مصر وكانت ميلا في ميل فأحرقت ونهب الفسطاط.
|